بسم الله الرحمن الرحيم
الحياة الدنيا حياة تجمع بين المتناقضات ففيها السعادة والشقاء والحزن والفرح والصحة والمرض والنجاح والفشل ,والراحة الكاملة فيها غير مطلوبة , والسعادة التامة غير محققة , قال تعالى : " وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) سورة آل عمران .
وقال: " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) سورة الكهف .
لذا فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها سجن للمؤمن وجنة للكافر , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر.أخرجه أحمد 2/323(8272) و"مسلم" 8/210 و"التِّرمِذي" 1324 .
قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! صِفْ لَنَا الدُّنْيَا . قَالَ : وَمَا أَصِفُ لَكَ مِنْ دَارٍ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنْ ، وَمَنْ سَقَمَ فِيهَا نَدِمَ ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ ، وَمَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ ، حَلَالُهَا حِسَابٌ ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ ؟ !. ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 2/371.
يقول الشاعر :
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها * * * يمسى ويصبح مغرورا وغرارا
هلا تركت من الدنيا معانقة * * * حتى تعانق في الفردوس إبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها * * * فينبغي لك أن لا تأمن النارا
والمسلم العاقل هو من يفهم الدنيا على حقيقتها فيتخذها معبراً ومزرعة للآخرة , عن ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ:أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِى فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ. فَقَالَ لي ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا.أَخْرَجَهُ أحمد 2/24(4764) و"البُخَاريّ" 8/110(6416).
وكذا فإن العاقل هو من يجعل همه الأكبر آخرته , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ.أخرجه التِّرْمِذِي (2465) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 689 .
ومتع الدنيا متع ناقصة بل وزائلة ,والمؤمن لا يحزن على فوات شيء منها , عن علي رضي الله عنه قال لعمار: لا تحزن على الدنيا فإن الدنيا ستة أشياء: مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المسك وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها.تفسير القرطبي 17/255.
والراحة العظمى والنعيم الأكبر هو الذي يحصل عليه المؤمن حينما يضع قدميه في الجنة , قال : وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) سورة غافر.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.. صحيح مسلم (7266).
قال محمد بن حسنويه: حضرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة قال: له سل قال: متى يجد العبد طعم الراحة قال: عند أول قدم يضعها في الجنة .أبو يعلي الفراء : طبقات الحنابلة 1/291.
قال أبو بكر بن طاهر: اصبر على شدائد الدنيا فإن وعد الله حق لمن صبر فيها على الشدائد أن يوصله إلى الراحة الكبرى وهو مقعد صدق عند مليك مقتدر.حقائق التفسير , للسلمي 7/142.
لذا يجب على المؤمن أن يجعل شوقه الأكبر لما عند الله تعالى من نعيم خالد وسعادة أبدية , وليسأل نفسه : هل أنا أشتاق إلى الجنة , ولماذا أشتاق إليها ؟؟ .
فإذا ما كانت الإجابة : نعم أشتاق إلى الجنة , فليفكر فيما يجعله يشتاق إليها , وليعش بوجدانه وقلبه مع نعيمها , وكيف تفتح الأبواب لمن يدخلها ؟ . وكيف يدخلها بسلام وهو آمن غير مكدر ولا مهموم ولا وجل ؟ . قال تعالى : " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74). سورة الزمر.
وقال تعالى : " وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35). سورة ق.
وليوقن أنها سلعة غالية تحتاج إلى إيمان خالص وعمل صالح , عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ . أخرجه و"التِّرمِذي" 2450 الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 675.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ . صحيح ابن حبان 16 / 389 حسن.
وليعلم أن الجنة رجاء المؤمنين وأمل الطائعين وأمان الخائفين وواحة المخبتين . عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا ، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ. مصنف ابن أبي شيبة 13 /232. صحيح مرسل.
قال ابن القيم :
يَا سِلُعَةَ الرحمن لَسْتِ رَخِيْصَةً * * * بَلْ أَنْتِ غَالية عَلَى الكَسْلانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحمن لَيْسَ يَنَالًُهَا * * * بِالأَلْفِ إلا واحدٌ لا اثْنَانِ
يَا سِلْعَةْ الرَّحمن مَاذَا كَفُوْهَا * * * إِلا أَوُلُوا التَّقْوى مَعَ الإِيْمَانِ
يَا سِلُعةَ الرَّحمن سُوقُكِ كاسِدٌ * * * بين الأَرَاذَلِ سَفْلَةِ الحَيوانِِ
يَا سِلْْعَةَ الرحمن أَيْنَ المُشْتَرِي * * * فَلَقَدْ عُرِضْْتِ بَأيْسرِ الأَثْمانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحمن هَلْ مِنْ خَاطِبٍ * * * فَالمَهْرُ قَبْلَ الموتِ ذُو إِمْكَانِ
يَا سِلْعَةَ الرحمن كَيْفَ تَصْبُّر ال * * * خُطَّابُ عَنْكَ وَهم ذَوُو إِيْمَانِ
يَا سِلْعَةَ الرَّحمنِ لَولا أَنَّهَا * * * حُجِبَتْ بِكُل مَكَارِهِ الإِنْسَانِ
مَا كَانَ عَنْهَا قَطْ مِنْ مُتَخِلفٍ * * * وَتَعَطَّلتْ دَارُ الجَزاءِ الثَّانِي
لَكِنَّهَا حُجِبَتْ بِكُلِّ كَرِيْهَةٍ * * * لِيَصُدُّ عَنْهَا المُبْطِلُ المُتَوانِي
وَتَنَالُهَا الهِمَمُ التِّي تَسْمُوا إِلى * * * رَبّ العُلَى بِمَشِيْئَةِ الرَّحمنِ
ونعيم الجنة صنعه الله تعالى بيده , ففي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر , قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ (40). سورة الواقعة.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الجنّة رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له :اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بي أَوْ تَضْحَكُ بي وَأَنْتَ الْمَلِكُ، قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فكَانَ يَقُولُ: " ذَلكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَة . أخرجه أحمد 3/27(11234) ، ومُسْلم 1/120(384) .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: يُنَادِى مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). أخرجه أحمد 2/319و"مسلم" 8/148(7259) .
والذي يحيا بوجدانه وفكره وقلبه مع نعيم الجنة يتضاءل كل نعيم في الدنيا ويهون أمام ناظريه , فمن نعيم الجنة الذي يجعلنا نشتاق إليها :
1- بيوت الجنة وقصورها:
أهل الدنيا يبنون ويشيدون الدور والقصور ويضعون فيها كل ما يملكون من كماليات ووسائل الراحة والرفاهية ويناسون أن كل ذلك إلى زوال وأنه عما قليل سيترك , وأن هناك دوراً وبيوتاً وقصوراً أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين الصالحين , قال تعالى : " وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) سورة التوبة.
وقال : " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) سورة العنكبوت .
وأن هذه البيوت وتلك القصور لا تشبه بيوت الدنيا وقصورها في شيء , عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الْخَيْمَةَ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مَيْلا ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لا يَرَاهُمُ الآخَرُونَ . أخرجه البخاري (3/1185 ، رقم 3071) ، ومسلم (4/2182 ، رقم 2838).
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَرَأَيْتُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ ، فَظَنَنْتُهُ لِي ، فَإِذَا هُوَ لِعُمَرَ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا مَنَعَنِي يَا أَبَا حَفْصٍ أَنْ أَدْخُلَهُ إِلاَّ مَا أَعْرِفُ مِنْ غَيْرَتِكَ ، قَالَ : قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ كُنْتُ أَغَارُ عَلَيْهِ ، فَإِنِّى لَمْ أَكُنْ أَغَارُ عَلَيْكَ. أخرجه أحمد 3/191(13014) الألباني رقم : 3478 في صحيح الجامع .
عَنْ إسماعيل بْنِ أبِي خَالِدٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ قَالَ نَعَمْ ؛ بَشَّرَهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ. أخرجه "أحمد" 4/355(19339) و"البُخَارِي" 3/7(1792) و"مسلم" 7/133(6355).
وهذه القصور لا تكون إلا لمن قدم لها الثمن , ومن ثمنها طيب الكلام وإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام , عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا ، تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا , وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا , فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : هِيَ لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلاَمِ , وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ , وَأَفْشَى السَّلاَمَ , وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. أخرجه التِّرمِذي 1984 و2527 و"ابن خزيمة" 2136, الألباني رقم : 2123 في صحيح الجامع .
ومن ثمنها الصبر والرضا بالقضاء والقدر , عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ ، أًنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قال الله ، لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُم وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولَونَ : نعَمْ . فَيَقُولُ : مَاذَا قال عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاستَرْجَعَ . فَيَقُولُ الله : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ . وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ. أخرجه أحمد 4/415 والترمذي 1021 .
ومن ثمنها قراءة القرآن الكريم , عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ ، صَاحِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ : "قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَخْتِمَهَا ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إِذًا نَسْتَكْثِرُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اللهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ. أخرجه أحمد 3/437(15695) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 137.
ومن ثمنها ترك المراء والجدال , عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ في أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ. أخرجه أبو داود (4800) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 491.
2- طعام الجنة وشرابها :
في الدنيا يحرص المرء على تناول أشهى الأطعمة وأشهاها وألذها , ولكنه ينسي أن ذلك الطعام مصيره بعد لحظات إلى الغائط , وأن الطعام ذاته فيه ما يُشتهى وفيه ما لا يُشتهى , كما أن فيه الضار وفيه النافع وكذلك الشراب , مر بعض أولاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته ، فقال له مالك : يا بني لو تركت هذا الخيلاء لكان أجمل ، فقال أوما تعرفني ؟ قال : أعرفك معرفة جيدة ، أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت بين ذلك تحمل العذرة . فأرخى الفتى رأسه وكف عما كان عليه . وقال الأحنف : عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر .وقال ابن عوف رحمه الله:
عجبت من مُعجبٍ بصورته * * * وكان بالأمس نطفةً مَذِره
وفي غدٍ بعد حُسْنِ صورته * * * يصير في اللحد جيفة قذره
وهـو على تِيهه و نَخْوَته * * * ما بين ثوبيه يحمل العذره
روى أن ابن السماك دخل على الرشيد يوما فاستسقى فأتى بكوز فلما أخذه قال على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها قال بنصف ملكي قال اشرب هنأك الله تعالى فلما شربها قال أسألك لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها قال بجميع ملكي قال إن ملكا قيمته شربة ماء وبوله لجدير أن لا ينافس فيه فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا . تاريخ الطبري 6/358 , السيوطي : تاريخ الخلفاء 246 .
أما طعام أهل الجنة وشرابهم والآنية التي يشربون فيها فشيء آخر , قال تعالى في وصفه :" يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) سورة الزخرف.
وقال : " وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) سورة الواقعة .
وقال : " مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15). سورة محمد.
وقال : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55). سورة القمر.
قال تعالى : " وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25). سورة البقرة.
وقال: "أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) سورة الصافات .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات : لا تصدع رؤوسهم ، ولا تنزف عقولهم ، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة ، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال : في الخمر أربع خصال: السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول ، فذكر الله خمر الجنة ، ونزهها عن هذه الخصال . تفسير ابن كثير: 6/514 .
وأول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت , عن أَنَسٌ بن مالك.أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَقَالَ : إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ : مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا ، قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ : ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، قَالَ : أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ ، وَأَمَّا الْوَلَدُ ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ ، قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِي ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا ، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ ، قَالُوا : أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، قَالُوا : شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا ، وَتَنَقَّصُوهُ ، قَالَ : هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ. أخرجه أحمد 3/108(12080) و"البُخَارِي" 4/160(3329).
ولطعام أهل الجنة ولشرابهم خصوصية , عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَتْفُلُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، قَالُوا : فَمَا بَالُ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ. أخرجه أحمد 3/316(14454) و"مسلم" 8/147(7254).
3- لباس الجنة وزينتها :
الإنسان في هذه الدنيا يحرص على أن يكون لباسه طيباً وجميلاً ويدل على شخصيته ومكانته , بل ويتباهى الناس ويتفاخرون في ذلك وينسون أن تلك الثياب التي يتعالى بعضهم على الناس بها سوف تبلى عن قريب , عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِى مَالِى قَالَ وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. أخرجه أحمد 4/24(16414) و"مسلم" 8/211(7530).
أما أهل الجنة فإنهم يلبسون فيها الفاخر من اللباس ، ويتزينون فيها بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ ، ولكنها ثياب لا تبلى أبداً , قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23). سورة الحج.
وقال: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55). سورة الدخان.
وقال : عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) سورة الإنسان .
عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ؛ أَنَّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُبَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ ، أَحْسَنُ مِنْ هَذَا. أخرجه أحمد 3/206(13180) و"البُخَاريّ" 2615 و"مسلم" 6432.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللهُّ عَنْهُ ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، لاَ يَسْقَمُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْصُقُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ - قَالَ أَبُو الْيَمَانِ يَعْنِى الْعُودَ - وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. أخرجه "البُخاري" 4/143(1246) .
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , عَنِ النَّبِيِّ , صلى الله عليه وسلم :إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الْحَكَمُ سِتَّ خِصَالٍ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِى أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيَرَى قَالَ الْحَكَمُ وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ قَالَ الْحَكَمُ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعَ فِى سَبْعِينَ أنسانًا مِنْ أَقَارِبِهِ. أخرجه أحمد 4/131(17314) الألباني رقم : 5182 في صحيح الجامع .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِمَنْ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ. قَالَ : طُوبَى لِمَنْ رَآنِى وَآمَنَ بِى , ثُمَّ طُوبَى , ثُمَّ طُوبَى , ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِى وَلَمْ يَرَنِى , قَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَمَا طُوبَى ؟ قَالَ : شَجَرَةٌ فِى الْجَنَّةِ , مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ , ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا. أخرجه أحمد 3/71(11696) الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 639.
4- نساء الجنة :
نساء الجنة أعظم بجمالهن وحسنهن فإنهن محورات العيون ملألآت الخدود, تكسوهن النضرة, ويملؤهن الجمال,أخاذات بنظراتهن, ساحرات بحسنهن, قاصرات بطرفهن , طاهرات مطهرات , قال تعالى : " وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) سورة البقرة .
وقال : " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) سورة الرحمن .
وقال : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) سورة الرحمن.
وعَن حُمَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ غَدْوَةٌ ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
- وفي رواية : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ ، خَيْرٌ مِنَ الدَّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ ، خَيْرٌ مِنَ الدَّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي الْخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. أخرجه أحمد 3/141(12463) والبُخَارِي( 4/20(2792).
وعن بن عباس أنه قال
لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها( خمارها) لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما على الأرض , عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا ، مَا فِيهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَإِنَّ فِيهَا لَمَجْمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، يَرْفَعْنَ أَصْوَاتًا لَمْ يَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَاَن لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.أخرجه التِّرْمِذي (2550 و2564).
قال تعالى : " إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57)سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58). سورة يس.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْغِفَارِيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَاتَ يَوْمِ ، وَقَدْ أَهَلَّ رَمَضَانُ ، فَقَالَ : لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ مَا رَمَضَانُ ، لَتَمَنَّتْ أُمَّتِي أََنْ يَكُونَ السَّنَةَ كُلَّهَا ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، حدَّثنا ، فَقَالَ : إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُزَيَّنُ لِرَمَضَانِ مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍِ مِنْ رَمَضَانَ هَبَّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ، فَصَفَّقَتْ وَرَقُ الْجَنَّةِ فَتَنْظُرُ الْحُورُ الْعِينُ إِلَى ذَلِكَ ، فَيَقُلْنَ : يَا رَبِّ ، اجْعَلْ لَنَا مِنْ عِبَادِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَزْوَاجًا تَقَرُّ أَعْيُنُنَا بِهِمْ ، وَتَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ بِنَا ، قَالَ : فَمَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ، إِلاَّ زُوِّجَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دُرَّةٍ مِمَّا نَعَتَ اللهُ : ? حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ? عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً ، لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ عَلَى لَوْنِ الأُخْرَى ، تُعْطِي سَبْعِينَ لَوْنًا مِنَ الطِّيبِ ، لَيْسَ مِنْهُ لَوْنٌ عَلَى رِيحِ الآخَرِ ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفَةٍ لِحَاجَتِهَا ، وَسَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفٍ ، مَعَ كُلِّ وَصِيفٍ صَحْفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فِيهَا لَوْنُ طَعَامٍ ، تَجِدُ لآخِرِ لُقْمَةٍ مِنْهَا لَذَّةً لاَ تَجِدُ لأَوَّلِهِ ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ سَرِيرًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ، فَوْقَ كُلِّ فِرَاشٍ سَبْعُونَ أَرِيكَةً ، وَيُعْطَى زَوْجُهَا مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، مُوَشَّحٍ بِالدُّرِّ ، عَلَيْهِ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، هَذَا بِكُلِّ يَوْمٍ صَامَهُ مِنْ رَمَضَانَ ، سِوَى مَا عَمِلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ. أخرجه أبو يَعْلَى (5273) و"ابن خزيمة" 1886 .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:لاَ تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا ، إِلاَّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ : لاَ تُؤْذِيهِ ، قَاتَلَكِ اللهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ ، يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا. أخرجه أحمد 5/242(22452) و"ابن ماجة"2014 , الألباني رقم : 7192 في صحيح الجامع .
أحد التابعين يقول وكله إشتياق إلى الجنة وحورها: لأشترين حورية من الحور العين بثلاثين ختمة للقرآن لا أنام حتى أختم هذه الثلاثين ختمة، ويختم تسعًا وعشرين فيغلبه النوم فينام فيرى حورية من حوريات أهل الجنة تأتي فتركله برجلها، وتقول:
أتخطُبُ مثْلِي وعنِّي تَنَامُ *** ونومُ المُحبِّينَ عنِّي حَرَام
لأنا خُلِقْنَا لكلِّ امرئٍ *** كَثيرِ الصلاةِ كثيرِ القِيام
فقام بعدها، وأكمل ذلك واجتهد، وقال: برحمة الله لأجتهدن إلى أن أنال هذه؛ إلى أن أنال هذه الحورية.
وهذا أبو سليمان الدارني, ينام ليلة من الليالي، عابد زاهد عبَد الله، وأخلص لله، وصدق مع الله، يمني نفسه بما في الجنة من نعيم، فيقول في ليلة من الليالي -نائمًا والنفس أحيانًا تحدث بما ترغب وبما تريد وبما تحب- قال: فرأيت -فيما يرى النائم- كأن حورية جاءتني، وقالت: ما هكذا يفعل الصالحون -يا أبا سليمان- أتنام وأنا أربى لك في الخدور من خمسمائة عام. لا إله إلا الله؛ فما نام بعدها إلا قليلا؛ جد وطلب ليلحق بها.
5- ولدان الجنة :
قال تعالى : " وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا(15) قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا(16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا(19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21). سورة الإنسان.
قال ابن كثير رحمه الله : أي : يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة ، مخلدون : أي :
على حالة واحدة ، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها ؛ لا تزيد أعمارهم عن تلك السن .تفسير ابن كثير 8/292.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : غلمان لا يموتون , وقال ابن القيم رحمه الله :قال أبو عبيدة والفراء : مخلدون : لا يهرمون ولا يتغيرون , قال : والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط : إنه لمخلد ، وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل : هو مخلد . ابن عادل : اللباب في علوم الكتاب 18/385.
وقال ابن القيم: وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة. وفي كونه منثورا فائدتان.
إحداهما : الدلالة على أنهم غير معطلين ، بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم .
الثانية : أن اللؤلؤ إذا كان منثورا ، ولاسيما على بساط من ذهب أو حرير ، كان أحسن لمنظره وأبهى ، من كونه مجموعا في مكان واحد.
وقد اختلف العلماء فيمن يكون هؤلاء الولدان,فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والحسن البصري أن المراد بالولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة .
وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة .
قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجزون بها ، ولا سيئات يعاقبون عليها ، فوضعوا في هذا الموضع .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : قال شيخ الإسلام رحمه الله : ولا أصل لهذا القول. انظر: مجموع الفتاوى (4/279).
وقيل : إن هؤلاء الولدان أنشأهم الله لأهل الجنة ، يطوفون عليهم كما شاء ، من غير ولادة .
وهذا القول الأخير هو الذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
فقد سئل رحمه الله : عن الولدان : هل هم ولدان أهل الجنة ؟ .فأجاب :الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ; ليسوا بأبناء أهل الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة ؛ على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، في طول ستين ذراعا . وقد روي أيضا أن العرض سبعة أذرع .انظر : مجموع الفتاوى : 4/312
6- أصدقاء الجنة :
أصدقاء الدنيا قد تكون صداقتهم ومجالستهم لغرض شخصي ومصلحة مستفادة , وقد يغضب أحدهم على صاحبه فيقلب له ظهر المجن , وقد يحسد الصاحب صاحبه ويحقد عليه , وقد يجلس الصديق مع صديقه وليس يشغلهم غير الغيبة والكلام على الناس بالقيل والقال .
أما رفاق الجنة وأصدقائها فقد نزع الله الغل والحقد من قلوبهم , وصفى كلامهم من السوء وقلوبهم من الضغينة , قال تعالى : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48). سورة الحجر.
قال تعالى : " إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36). سورة النبأ.
قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10). سورة يونس.
قال الجزائري : ونزعنا ما في صدورهم من غل : أي حقد وحسد وعداوة وبغضاء.
على سرر متقابلين : أي ينظر بعضهم إلى بعض ما داموا جالسين وإذا انصرفوا دارت بهم الأسرة فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. لا يمسهم فيها نصب: أي تعب. الجزائري:أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير3/84.
وما أروع ما قاله ابن القيم رحمه الله في وصف نعيم الجنة , قال في
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح 355- 360) : " وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص. فإن سألت: عن أرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران. وإن سألت: عن سقفها، فهو عرش الرحمن. وإن سألت: عن ملاطها، فهو المسك الأذفر. وإن سألت: عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت: عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب. وإن سألت: عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب. وإن سألت: عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل. وإن سألت: عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل. وإن سألت: عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. وإن سألت: عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. وإن سألت: عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت: عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير. وإن سألت: عن سعت أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتينّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام. وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها. وإن سألت: عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مئة عام لا يقطعها. وإن سألت: عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام. وإن سألت: عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وإن سألت: عن ارتفاعها، فانظر إلى الكوكب الطالع، أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار. وإن سألت: عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب. وإن سألت: عن فرشها، فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت: عن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات، وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب، فما لها من فروج ولا خلال. وإن سألت: عن أسنانهم، فأبناء ثلاثة وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، أبي البشر. وإن سألت: عن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر. وإن سألت: عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين. وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان. وإن سألت: عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان. وإن سألت: عن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون. وإن سألت: وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب، اللائي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللدقة واللطافة ما دارت عليه الخصور. تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا تبسمت، وإذا قابلت حبها فقل ما شئت في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك في محادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها، كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها (الصيقل: جلاء السيوف، والمقصود هنا تشبيه وجه الحوراء بالمرآة التي جلاها ولمعها منظفها حتى بدت أنظف وأجلى ما يكون)، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها. لو أطلت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيراً و تسبيحاً، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كم